|
|||
---|---|---|---|
بسم الله الرحمن الرحيم
***** (الشاقة وما أدراك ما الشاقة؟!!بالصور) ج2 *****
ثانياً: مع عضو الفريق الاستطلاعي الدكتور عبدالله السكاكر عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
س:دكتور عبدالله السكاكر حدثنا عن انطباعاتك الأولية عن الرحلة؟
:. ضرب الله سبحانه وتعالى مثلا لعظمة القرآن الكريم بأنه لو أُنزِل على أقسى شيء في الوجود وهي الجبال لخشعت وتصدعت قال سبحانه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، فلو رأيتم جبال حرة الشاقة وقد تصدعت , وسهولها وقد تشققت , ولو حدثكم المجاورون لتلك الحرة عن الأصوات المرعبة حين ترددها الجبال , أو حدثكم حمّاد جوبير النعمي صاحب الإبل أو المهندس الجيلوجي جمال شوالي عن ليلة الأربعاء حين وقعت الهزة العنيفة وهما داخل الحرة لعلمتم أن قدرة الله سبحانه لايحدها شئ , وأن جبروته لايقوم له أحد: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
س: وما هو أبرز ما لفت عنايتك في حرة الشاقة غير المظاهر الطبيعية؟
:. في الواقع وفي طريق العودة من حرة الشاقة وفي الجهة الشمالية الغربية منها سلكنا طريقا صحراويا وعرا , وتركنا هجرة المرامية على يميننا وأخذنا باتجاه الغرب , ثم خرج بنا المهندس مروان عن المسحية ذات الشمال وبدأنا الدخول في وادٍ بين جبلين وقبل أن يضيق الوادي بدت لنا خيمة بدوي من أهل تلك الأرض , قال لنا المهندس مارأيكم بفنجال قهوة في هذا البيت؟
لقد رأينا طبيعة هذه الأرض، وعاشرنا حاضرتها، وهاهي الفرصة لنكتشف وجها آخر لهذه الأرض وهم باديتها , لم نتردد إطلاقا في قبول الفكرة , وترجلنا من سيارتينا ,
تقدمنا المهندس مروان : السلام عليكم
طفل صغير : عليكم السلام تفضلوا
المهندس: وين ابوك ياتركي ؟
تركي: قريب , الحين يجي
المهندس : وين راح ؟
تركي : راح يقنص
المهندس : السيارة موجودة !
تركي : على رجوله
قمنا بمنتهى الميانه بإخراج الفراش من الخيمة إلى الخارج فقد كان الجو في الداخل حارا , وأشعلنا النار بحطب السمر ذي الرائحة الزكية
ولم يلبث هليّل المرواني أن أقبل من رحلة قنص ناجحة في إحدى يديه الشوزن وفي الأخرى طريدته (أرنب بري "وبر")
رمى الطريدة بين يدينا وعبارات الترحيب تسبقه ياهلا ياهلا ووجهه يتهلل بشرا ياهلا ياهلا
صحيح أن الخِصب في وجه الكريم :
أحــادث ضيفي قبـــل إنــــزال رحــــله ويخصب عندي والمكان جديب
وما الخصب للأضياف عن كثرة القرى ولكنمـــا وجـه الكـريم خصيب
لو رأيتم ذلك الوادي الذي ينزله هليل لهالكم الأمر , ليس فيه من مظاهر الحياة إلا هليل وأولاده وعدد قليل من الأغنام والإبل لاأظنها تبلغ العشرين مجتمعة وبعض شجر السمر الشاحبة والتي لاتبدو عليها أي مظاهر للحياة , فهذا الوادي لم يسل منذ أربع سنوات , ومع ذلك لاأظن أحدا من القراء الكرام أخصب تلك الليلة أكثر من خصبنا , كانت القهوة قد جهزت قبل مجيئ هليل فتناولنا منها فنجالا أو فنجالين , ومع ذلك لم تطب نفسه حتى قرب النجر وبدأ بصنع قهوة أخرى بنفسه , هذه الجبال التي كانت تردد قبل أيام تلك الأصوات المرعبة التي تنبعث من حرة الشاقة هاهي تردد مع هليل ترانيم نجره مرحبة بالضيوف على بيت كريم ضحوك, وينك يابن حميد تشوف مجلس هليل وتسمع نجره حتى تطيب نفسك باستمرار الطيب والجود :
ياما حلا ياعبيد في وقـت الاسفـار
جذب الفراش وشـبّ ضـوّ المنـارة مع دلة(ن)تجذا على واهـج النـار ونجـر إلـى حـرّك تزايـد عبـاره في ربعة(ن) ماهيبتحجب عن الجار لا منّ خطو اللاش مـا شـبّ نـاره النجـر دقّ وجاذب(ن)كـلمــرّار مالفّه الملفـوف مـن دون جـاره دق هليل النجر باحترافية رجل الصحراء ودق جوانبه بشاعرية رقيقة غنّى النجر وغنّينا معه بصوت عذب:
دقه بنجر يسمعه كل مشتاق راع الهوى يطرب إلى دق بخفوق
احتسينا القهوة مع تمر البرني الذي تشتهر به العيص والذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : : « أَمَا إِنَّهُ خَيْرُ تَمْرِكُمْ وَأَنْفَعُهُ لَكُمْ » رواه أحمد تسلل صاحبنا إلى جهة البيت مع تأكيداتنا على أننا مستعجلون ولن نزيد على القهوة , ولم يرجع حتى ذبح ذبيحته وجهزها لأهله , قبلنا على استحياء كرامته وعلمنا أن ذلك يسعده فلم نشأ إفساد تلك الفرحة.
صلينا وجمعنا العشاءين وشربنا الشاي ثم استرخينا على مساند مريحة في جلسة شبه استلقائية لنتلقى درساً جميلا على ضوء الليزر من الدكتور عبدالله المسند عن النجوم , ولحسن حظنا كانت تلك الليلة في أواخر الشهر حيث لا يخرج القمر وحيث شكلت قبة السماء لوحة ربانية تملأ الجوانح سعادة وبهجة وإيمانا , الأطفال انشدّوا بقوة لضوء الليزر, والكبار أوسعوا الدكتور المسند بوابل من الأسئلة أجاب عنها بكل أريحية.
لا أخفيكم سرا رغم كل مافي هذه الرحلة من أشياء عجيبة وجميلة وغريبة ظلّت شخصية هليل من أكثرها جاذبية وسحرا كرم و عقل , بشر وتهلل , بداوة أصيلة , بعد عن زيف الحضارة وخداعها , صبر على البداوة رغم صعوبتها وقسوتها ورغبة الأهل في تركها . نار السمر تضيء في وجوهنا وكأنها تشبع فضول الأطفال برؤية الضيوف الغرباء , والنسمات الباردة ملأت المكان , وهدوء الصحراء يسحر الحضور , ثم قدم لنا هليل كرامته صينية كبيرة يحملها رجلان ملؤها الأرز ولحم الضأن وحولها حليب الإبل ولبن الماعز , وعلى قَدْرِ طيب نفس هليل أكلنا فوصلنا إلى حد التخمة ودَّعَنَا هليل المرواني الجهني وأنا جزم أنه أسعد إنسان تلك الليلة بضيوفه :
تسخو الغمام ووجهها متجهم ... والوجه منه مع الندى يتهلل
لقد أقرانا بشاشة وأقرانا كرامة وازداد طيبا فلله أبوه :
بشاشة وجه المرء خير من القرى ... فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك
س: سمعنا عن بركان جبل حلا أبو نار فما هو المقصود بحلا؟
:. في حرة الشاقة جبال تدعى حلا أبو نار وحلا أو محزم وحلا أبو نوير وغيرها، والحلا: الحِلاءُ - بالكَسر والمَدِّ - : جِبالٌ لا نباتَ بها، واحِدُها: حِلاءةٌ وحِلاء، تُنْحَتُ منها الأرحِيَةُ، والعرب يسمون الجبال البركانية (جبال النار) وجبل ابو نار في حرة الشاقة هو أحد البراكين التي ثارت قبل ألفي عام تقريبا في تقديرات بعض الجيولوجيين.
جبل حلا أبو نار البركاني
*****
|
|||
|