حقيقة ظهور شمسين أو ثلاثة في الأفق؟
د. عبدالله المسند*
:. يتناقل الناس بين الحين والآخر صوراً، ومقاطع فيديو، تُظهر أكثر من شمس في الأفق تم تصويرها في مناطق مختلفة من العالم، ويكثر السؤال عن صحة تلك المقاطع والصور، في ظل توافر أدوات التدليس والتحريف عبر برنامج الفوتوشوب وأخواته.
صورة طبيعية توضح الشمس الحقيقية في الوسط تتوارى خلف السحب، وعن يمينها شمس وهمية، ويسارها شمس ثالثة وهمية.
:. والجواب أقول: أن الصور والمقاطع التي التقطت في مواقع، وأوقات مختلفة من العالم هي صحيحة، وغير محرفة، أو معدلة، وحقيقة ما يجري أنها خدعة بصرية يصنعها الغلاف الجوي ليُري المشاهد شمسين أو ثلاثاً في الأفق، وواقع الحال هي شمس واحدة حقيقية، والبقية عبارة عن انعكاس لها.
:. وهذه الظاهرة لاحظها الإنسان منذ القدم، وسُميت بالشمس الوهميةmock sun أو phantom sun ، وهي ظاهرة جوية بصرية تصنع صورة وهمية للشمس، أو صورتين متقابلتين، وربما شكلت هالة ودائرة مضيئة حول الشمس الحقيقية، وعلى حدودها الشمس الوهمية، وتظهر تلك الظاهرة النادرة عندما تكون الشمس فوق الأفق بـ 22 درجة، وفي الوقت نفسه تقع الشمس الوهمية على بعد 22 درجة عن اليمين أو اليسار من الشمس الحقيقة، وأحياناً تتشكل شمسان عن اليمين واليسار من الشمس الحقيقية، وتكون الشموس الثلاث على مستوى واحد فوق الأفق، أي ارتفاعها واحد، والشمس الوهمية يكون لونها أحمر من الجهة القريبة من الشمس.
صورة طبيعية توضح الشمس الحقيقية في الوسط، وعن يمينها ويسارها شمس وهمية.
:. وتفسيرها العلمي يكمن في تواجد السحب العالية من نوع السمحاق الطبقي cirrus clouds وهي عبارة عن بلورات ثلجية، تعكس أشعة الشمس في زوايا محددة، يصنعها الرائي حسب مكانه بين الشمس والسحاب، وظاهرة الشمس الوهمية يمكن أن تُرى في أي وقت من السنة وعلى وجه الخصوص في فصل الشتاء، وتُرى في أي مكان في العالم وعلى وجه الخصوص في العروض العليا ... هذا والله أعلم.
شمس الغروب وشمس الشروق في وقت واحد بنجران!!؟
من الممكن أن نرى الشمس الحقيقية تغرب في الأفق الغربي، وفي الوقت نفسه نرى في الجهة المقابلة تماماً في الأفق الشرقي أشعة الشمس الوهمية (انعكاس لأشعة الشمس الحقيقية) وكأن شمساً ثانية تشرق من الشرق كما حصل في نجران، وهذه ظاهرة جوية بصرية فيزيائية نادرة جداً، بل ومن خلال البحث لم أقف إلا على حادثتين مصورتين، الأولى: في أريزونا في الولايات المتحدة صورت عام 2011م، والثانية: ما حصل في نجران الخميس الماضي، إذ تم تصوير الظاهرة البصرية الجوية النادرة جداً من قِبل أكثر من شخص، وتساءل الناس عن تفسيرها وتحليلها العلمي؟
في الواقع لم أجد من تكلم عن تفسير تلك الظاهرة بعينها، وهي تختلف عن ظاهرة الشمسين أو الثلاثة شموس والتي تظهر فوق الأفق الواحد وسبق أن تحدثت عنها سلفاً
وحقيقة ما جرى في نجران 2015م وأريزونا 2011م ـ والله أعلم ـ أنها خدعة بصرية يصنعها الغلاف الجوي، ففي الوقت الذي يرى المشاهد أشعة الشمس الحقيقية في الجهة الغربية وهي تتهيأ للغروب، يرى أيضاً أشعة شمس وهمية مناظرة في الأفق الشرقي، وهي في الواقع صورة منعكسة لشمس الغروب في الأفق الشرقي!!.
وواقع الحال هي شمس واحدة حقيقية كما تراها عينك، بينما الثانية في الأفق الشرقي انعكاس لها، والذي يقوم بدور الانعكاس أو المرايا ـ والله أعلم ـ السحب العالية من نوع السمحاق الطبقي cirrus clouds وهي عبارة عن بلورات ثلجية (أحياناً شفافة لا تميزها العين)، تعكس أشعة الشمس في زوايا محددة، يصنعها الرائي حسب مكانه بين الشمس والسحاب، هذه البلورات من الجليد تمرر أشعة الشمس المتجمعة في الأفق الغربي ومركزها قرص الشمس، عبر السمت (قبة السماء) فنرها خطوطاً متوازية ومتباعدة، ومن ثم تواصل تلك الأشعة امتدادها باتجاه الأفق الشرقي؛ فتتجمع مرة أخرى لتصنع المنظر نفسه في الأفق الغربي، حيث تقوم الذرات الجليدية في سحب السمحاق الطبقي بصنع مرايا عملاقة تعكس صورة شمسنا الحقيقية بإذن الله تعالى، وهذه الظاهرة كما تحدث عند الغروب أزعم أنها قد تتكرر عند الشروق، وتكون الشمس الوهمية الثانية مقابلة بالضبط للشمس الحقيقية.
والقبة السماوية الغازية التي تعلوك مثل فقاعة الصابون الكروية، بينما أنت على الأرض ترى نصفها الذي يعلوك فقط، ويجري في تلك الفقاعة الكثير من الظواهر البصرية النادرة بعضها مفسر، والآخر لا يوجد له تفسير حتى الآن.
علماً أن الظاهرات البصرية الجوية متنوعة ومتعددة الأشكال، وهي خارج المألوف وعليه ترعب الناس في القديم والحديث، بل من الأمم من يتشأم منها، وبعضهم يعدها نذير خطر، والله تعالى يقول: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وقال تعالى: ( فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ) وقال تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ).
*عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم ، والمشرف على جوال كون.
1435-03-24هـ 2014-01-25م
|