• 20051 قراءة


  • 0 تعليق

الرجل الجشع والنملة السعودية!!

د. عبدالله المسند*

 

 

:. رجل جشع في المطعم ويأكل الأرز من الصحن بكلتا يديه طول اليوم مجاناً!!
فسقطت منه حبة رز؛
فالتقطتها نملة،
فسارع المطعم بتسجيل فاتورة عالية على النملة!!
 
:. هذه قصة رمزية تُجسد حال وزارة المياه في السعودية مع المزارع التجارية من جهة، والمواطن من جهة أخرى في شأن بيع الماء على المواطن (أبو نصف بوصة)، وترك المزارع التجارية ذات العشرات، بل المئات من الآبار تستهلك المياه الجوفية مجاناً منذ نحو 40 سنة!!

 

معظم المزارع تستخدم المياه بصورة غير علمية ولا منطقية، وذلك للفصام النكد بين وزارتي الزراعة والمياه من جهة، والمُزارع من جهة أخرى.


:. ولكي تتصور حجم المشكلة دعنا نضرب مثالاً واقعياً بمزرعة صغيرة معلومة، تمتلك بئراً واحداً وبحجم 6 بوصة فقط، ومتوسط إنتاج البئر من المياه نحو 1750 لتراً في الدقيقة، أي ما يعادل 2.5 مليون لتر في اليوم، ولأن المزرعة تزرع أعلافاً ـ كما هو حال معظم المزارع ـ فهو يروي محصوله 24 ساعة في 7 أيام في 365 يوماً في السنة، أي بما يعادل 900 مليون لتر من المياه الجوفية المجانية سنوياً!!

:. ومن المعلوم أن متوسط استهلاك الفرد السعودي من المياه يبلغ نحو 240 لتراً في اليوم، وبعبارة أخرى تستنزف المزرعة السالفة الذكر من المياه في الدقيقة الواحدة (فقط) ما يكفي عائلة كبيرة تتكون من 7 أشخاص ليوم كامل!!.

:. وتستنزف في ساعة واحدة (فقط) ما يكفي 437 شخصاً ليوم كامل، وهذا يعادل 90 عائلة ذات حجم متوسط!!، وتستنزف المزرعة تلك من المياه الجوفية في يوم واحد (فقط) ما يكفي 10500 شخص ليوم كامل!!، تضارع حجم بلدة صغيرة، أو ما يعادل 2100 أسرة ذات حجم متوسط!!.

 

كثير من المزارع تُدار وفق عمالة جاهلة، وعبر أساليب زراعية بالية، وهذا لا يُشكل هماً لدى المالك لكون الماء مجاناً.

 

:.وتستنزف المزرعة تلك في شهر واحد (فقط) ما يكفي 315 ألف شخص ليوم كامل!!، وهذا يعادل 63 ألف أسرة متوسطة الحجم!!، في حين تستنزف تلك المزرعة الصغيرة اليتيمة ذات البئر الواحد في سنة واحدة من المياه الجوفية المجانية ما يكفي 3.8 مليون شخص ليوم كامل!!!، أي تكفي مدينة مليونية بحجم مدينة جدة!!، وبعبارة أخرى مزرعة تجارية فيها 365 بئراً تستهلك من المياه (في اليوم الواحد) ما يستهلكه سكان جدة ليوم كامل!!، وهل بعد هذا يُطالب المواطن بالدفع مقابل الماء، بينما المزارع التجارية تسرح .. وتمرح .. وتُبربس بالمجان!!؟

 

مئات الآبار، ومئات الرشاشات المحورية المزروعة بالأعلاف، تعمل على مدار الساعة طول العام في مساحة تُقدر بنحو 190 كلم مربع، ترتع وتلعب بالمياه الجوفية المجانية!! دون مراقبة أو مساءلة أو محاسبة!!

إن كان في السعودية شح في المياه .. قل هو من عند مزارعكم، ومشاريعكم الزراعية التجارية، وليس من المواطن (أبو نصف بوصة)!

 

 


:. وفي النهاية تُركب العدادات في المنازل ذات نصف بوصة، وتُترك عمداً المزارع التجارية تستنزف المياه دون ضوابط!! أو مراقبة!! أو مساءلة!! أو محاسبة!! فبأي قانون أنتم تعملون؟ وبأي دستور تقتدون؟ وبأي شريعة تهتدون؟ وبأي منطق تفكرون؟ وبأي معادلة رياضية تحسبون؟

 

أعلم أن البعض يتهمني بالمبالغة في شأن استنزاف واستهتار المزارع بالمياه الجوفية، ومن يجد في نفسه شكاً فليقم بزيارة ميدانية لعشرة مزارع فقط، بعدها سيتعوذ بالله من الحال!! إن كان لديه دراية عن الوضع المائي في الصحراء السعودية.


:. مزرعة يتيمة وصغيرة واحدة تستهلك يومياً ما يستهلكه 10500 شخص في يوم!!؟ فما بالك بآلاف المزارع!!؟ قامت السموات والأرض على العدل، ومن العدل أن تُحاسب المزارع قبل المنازل!! إن كنتم للعدل ترومون، وعلى المياه الجوفية تحافظون، وللوطن تحبون  ... إني لكم من الناصحين.

 

هدر للمياه الجوفية الأحفورية الغير متجددة تجري على قدم وساق، منذ نحو 40 سنة، يتحمل وزرها وذنبها ومسؤوليتها الجهات ذات العلاقة، وهي أوسع من وزارتي المياه والزراعة.

 


:.
أنا لست ضد وضع تعرفة على الماء للاستهلاك المنزلي، ولكن .. نبدأ أولاً بالمزارع ثم المنازل، والتعرفة المنزلية تكون كما يلي: يُحدد معدل الاستهلاك اليومي الطبيعي للفرد، وبشكل علمي دقيق؛ ثم تُعطى كل أسرة حقها من اللترات اليومية حسب عددهم مجاناً، ومن يتجاوز هذه الكمية فهو مسرف، ومتعد وعليه يدخل في تعرفة عالية جداً تردعه عن تجاوز الحد الطبيعي، وبهذا أكرمنا مواطنينا بحقهم من المياه المجانية وفي الوقت نفسه ردعناهم عن الإسراف، سيما وأنا التعرفة الجديدة لا تُفرق بين أسرة تتكون من 10 أشخاص، وأسرة تتكون من 3 أشخاص ـ على سبيل المثال ـ حيث ستقفز الأُسر الكبيرة منطقياً إلى الشرائح المرتفعة، لا لكونها مُبذرة ومُسرفة؛ ولكن لارتفاع عدد الأسرة؛ وعليه اقترح إعداد عدادات ذكية، وعادلة تُبرمج وفقاً لعدد الأسرة، لتأخذ كل أسرة نصيبها المجاني من الماء، فمن زاد وتعدى يواجه فاتورة نارية .. ولات حين مناص ... وفي الختام يا من كلفكم ولي الأمر بأمورنا لا تدفعوا المواطنين على المر والجمر، "وش الراتب وش مرقته"  ... هذا والله أعلم.

 
*******

 *الأستاذ بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، والمشرف على جوال كون
1437-06-28هـ
2016-04-06م

www.almisnid.com
almisnid@yahoo.com

متى عيدنا .. السبت أم الأحد!؟ متى عيدنا .. السبت أم الأحد!؟ متى عيدنا .. السبت أم الأحد!؟
متى عيدنا .. السبت أم الأحد!؟

 

  •   
التعليقات
جميع الحقوق محفوظة 2021
جميع التعليقات والردود المطروحة لا تمثل رأي موقع
الدكتور عبد الله المسند ، بل تعبر عن رأي كاتبها
المتصفحون الان: 6
أنت الزائر رقم 4,326