• 38084 قراءة


  • 8 تعليق

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد:
في الحلقة الأولى تطرقنا إلى أن شرح الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة...حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً " سيكون من خلال نافذتين النافذة الأولى: (الماضي) ملخص التاريخ المناخي لأرض العرب. والنافذة الثانية: (المستقبل) فرضيات تغير المناخ في أرض العرب.

ملخّص التاريخ المناخي لأرض العرب


  توضح الصورة الفضائية وقوع الجزيرة العربية في النطاق الصحراوي.

قدر الله سبحانه وتعالى أن يكون الموقع الفلكي والجغرافي لأرض العرب في نطاق ما يُسمى بشبه المداري الجاف الصحراوي، والذي يتصف بارتفاع درجة الحرارة معظم السنة وقلة الرطوبة الجوية وجفاف الرياح السائدة وبالتالي قلة الأمطار الهاطلة؛ كل هذا رسم بإذن الله تعالى بيئة صحراوية قاحلة ومتطرفة في أرض العرب.

المناخ الجاف المسيطر على أرض العرب ليس وليد العصر الحديث بل هو قديم، ومن خلال استقراء أدبيات العرب وتاريخهم القديم قبل 1400 سنة، نجد أن الظروف المناخية السائدة آنذاك لا تختلف كثيراً عن الحاضر، فلقد قرأنا كثيراً عن تلكم المصطلحات: قحط، جوع، جفاف، استسقاء، بئر، مورد ماء، عام الرمادة، فقر، حر شديد ... الخ والتي تعكس بوضوح الظروف المناخية آنذاك. بالمقابل لم ترد في تاريخ العرب هذه المصطلحات: بحيرة، نهر، شلال، ثلج، جليد، غابة... الخ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ومن خلال الاستقراء العلمي التاريخي الطبيعي للجزيرة العربية يوحي كذلك أن الظروف المناخية قبل 1400 سنة لم تكن تختلف كثيراً عن اليوم.

وعندما نتوغل أكثر في تاريخ الجزيرة العربية المناخي لا نجد أيضاً إشارة إلى أن الأمم السابقة من العرب العاربة والمستعربة أو حتى العرب البائدة يتقلبون في أجواء رطبة غنية بأمطارها وأنهارها وأشجارها وأزهارها بخلاف الحال في قارة أوروبا اليوم. والاستقراء التاريخي أيضاً يشير إلى أنه قبل 2500 سنة تقريباً لم تكن الظروف المناخية في أرض العرب مروجاً وأنهاراً بل صحراءً وجفافاً وآباراً متواضعة يزدحمون عليها قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}.

وعندما نتوغل أكثر في القدم نجد الظروف المناخية السائدة ـ على الأقل في غرب الجزيرة العربية ـ كما وصفها إبراهيم عليه السلام {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}. وقبل نبي الله إبراهيم صالح عليهما السلام إذ قال: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}. وفي الأحقاف جنوب الجزيرة العربية قوم عاد كانوا يتطلعون إلى المطر والغيث قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا}، وقال عز وجل: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} والأَحْقافُ: "رمال بظاهر بلاد اليمن كانت عاد تنزل بها والحِقْفُ أَصْلُ الرَّمْلِ" (لسان العرب)، وهذا يعكس واقع الظروف المناخية الجافة والصحراوية في أرض العرب قبل حوالي 4500 سنة والله أعلم.

ولم يذكر التاريخ القديم ـ حسب علمي المتواضع ـ أن سكان الجزيرة العربية من العرب البائدة ومن قبلهم أنهم كانوا ينعمون بالمروج والأنهار. والسؤال هنا ... أي فترة تاريخية كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقصد ويشير في معرض الحديث السابق؟ أحسِب أن الظروف المناخية الجافة والقاحلة والحارة للجزيرة العربية كانت هي السائدة ـ والله أعلم ـ منذ نزول آدم عليه السلام. والفترة الزمنية التي كانت حافلة بالرطوبة والأمطار والأنهار في أرض العرب قديمة جداً قبل أن يستخلف الله الإنسان على الأرض والله أعلم.

لذا تكمن عظمة النبوءة في الحديث السابق والتي نحن بصددها (تعود) أن النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم كشف للصحابة وللعالم من بعدهم سراً من أسرار تاريخ الأرض الطبيعي والمناخي قبل أن يأتي الإنسان ويستعمر الأرض، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم ينقل لنا خبر المروج والأنهار من كتب سماوية سابقة، ولا حتى من أساطير الأولين الغابرة، ولكنه وحي من خالق الأرض والسماء السابعة {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.

والمسلم يُصدق نبوءة نبيه عليه الصلاة والسلام الواردة بالنقل الصحيح سواءً شهد لها الحس والعقل أم لا. وفي الوقت نفسه المسلم مأمور بالتفكر في خلق الله قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} السير والتفكر بكل وسائله، عبر الميدان الجغرافي بعمق تاريخي، والنظر من خلال العين والعينة، والصورة والخريطة، والمقياس والميزان، والمعمل والحاسب، والتحليل والتصنيف، كل هذا للجواب عن السؤال الكبير {كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ؟}. والعلم الحديث كشف لنا في آخر القرن الماضي ما يُصدق حديث الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام عن الظروف المناخية السائدة في جزيرة العرب وغيرها قبل آلاف السنيين فماذا قال؟.

 
العصور الجليديّة Ice Ages
 

قال تعالى: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، وقال سبحانه وتعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} وقال عز وجل: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، و علماء الجغرافيا والجيولوجيا والجيومورفلوجيا ساروا ونظروا وتفكروا ودرسوا وحللوا وقدروا عمر كوكب الأرض بحوالي 4.6 بليون سنة والله أعلم. وقسّم علماء الجيولوجيا هذه السنوات الطويلة إلى عصور متمايزة، يهمنا منها العصر الحديث (الرابع) وهو الأخير، والذي يقدر العلماء أنه بدأ منذ 1.6 مليون سنة حتى الوقت الحاضر. في هذا العصر اكتشف العالم السويسري لويس أجاسيز ما يُسمى بالعصور الجليدية Ïce Âge التي بدأت منذ 1.6 مليون سنة وأنتهى آخرها قبل 10000 سنة تقريباً والله أعلم.

وتعريف العصور الجليدية: أنها حالة جوية دورية تتصف بالبرد القارس، هذه الحالة تسود في شمال الكرة الأرضية وجنوبها، مما يؤدي إلى تجمدها وانتشار الغطاءات الجليدية وزحفها إلى أماكن شاسعة وجديدة تفوق مساحتها الحالية بثلاثة أضعاف، (مساحة الجليد الحالي 10% من مساحة اليابس، بينما في العصر الجليدي 30%). في النصف الكرة الشمالي مثلاً تتسع الغطاءات أو القلانس الجليدية لتزحف باتجاه الجنوب، لتغطي شمال أوروبا وروسيا وأمريكا الشمالية، لتصبح أراضٍ متجمدة، وبالمقابل تصبح المناطق الجنوبية منها مناطق معتدلة ورطبة وهي العروض شبه المدارية والصحراوية مثل الجزيرة العربية وشمال أفريقيا.


  اللون الأبيض يمثل الغطاءات الجليدية فترة العصر الجليدي والذي يكسو كل من: كندا وشمال الولايات المتحدة وبريطانيا وشمال أوروبا وروسيا.

هذه العصور الجليدية المتكررة وفق سنن إلاهية عندما تحدث بإذن الله تعالى تكون أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وعندما تنحسر تكون أرض العرب صحراءً وأحقافاً ... وأثبت العلماء أننا نعيش اليوم في عصر دفيء يقع بين عصرين جليديين بمعنى أن الأرض مقبلة على عصر جليدي جديد امتداداً للعصور الماضية، فإن سألت عن وقتها؟ فهذا {مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}. وآخر عصر مطير في أرض العرب حدث قبل 10000سنة تقريباً ((وقد)) يكون هو المعني بالحديث الشريف! فمن علم النبي الأمي محمداً صلى الله عليه وسلم بغيب طوله 10000 سنة؟ علمه الذي {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}.

 ما سلف كان شرحاً للحديث عبر النافذة الزمنية التاريخية، أما عن المستقبل وكيف ومتى ستعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً؟ هذا ما سنقرأه في الحلقات التالية إن شاء الله تعالى في موضوع فرضيات عودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وعلى دروب العلم نلتقي.

 

 

****************************************************************************************

 

 

 

 *****

سلسلة مقالات بعنوان

عودة أرض العرب مروجاً وانهاراً:

 

 

 

 *****

قريباً أستكمل الحلقات بمشيئة الله

 

 

 

  *عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، والمشرف على جوال كون
1435-02-05هـ
2013-12-08م

www.almisnid.com
almisnid@yahoo.com

متى عيدنا .. السبت أم الأحد!؟ متى عيدنا .. السبت أم الأحد!؟ متى عيدنا .. السبت أم الأحد!؟
متى عيدنا .. السبت أم الأحد!؟

 

 

  •   
التعليقات
ابو صالح
يادكتور عبدالله ، ما رأيك بقصة سبأ ، (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان .... ) الآية ولاحظ ان المسافات كانت بعيدة بدليل قولهم ( باعد بين اسفارنا )
13 سبتمبر 2013

سحر
شكرا لك دكتور استفدت كثير من هذه المعلومات ،، والله يقويك ويعينك على بعض النفسيات المريضه نأسف لك منها ! ارجوا ان لاتعطي لها شيئاََ ذا بال ،، والله يوفقك برسالتك (y)
12 سبتمبر 2013

محمد
ان شاء الله يكون قريب انا شفت فيديو يتحدث عن تغير محور الارض وهذا التغير راح يغير المناخ في الارض بالكامل :D
10 مايو 2013

ابراهيم
جهد تشكر عليه
10 مايو 2013

ناصر البيئة
أحسنت يا أبا عبد الرحمن في هذا المقال الرائع!!!!!!!!!!!!! ولكن تأذن في مالطا، وتنفخ في قربة مشقوقة وتسني بلا ماء لأن ما عندك أحد، ودليلك عدد الردود والتفاعل المحبط، لوكان المقال عن إستراتيجية صيد الضبان وتقنية كبسة رز أبو كاس مع القميري والدخل أو مشروع إعداد المندي لرأيت تفاعلاً عجيباً في الطرح والتخطيط
28 نوفمبر 2011

الحسنى
معلومات قيمة تزيدنا يقينا أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحا ! معلومات جديدة علي حقيقةً زادك الله علماً وفهماً.
14 يوليو 2011

محمد
مشكور الدكتور عبدالله المسند
14 ديسمبر 2010

عماد المتابع لاعمالك
شكرا مشكور مشكور جدا
01 مايو 2009

جميع الحقوق محفوظة 2021
جميع التعليقات والردود المطروحة لا تمثل رأي موقع
الدكتور عبد الله المسند ، بل تعبر عن رأي كاتبها
المتصفحون الان: 4
أنت الزائر رقم 20,826